الصفحة الأولى معلومات عن السفارة الخدمات آخر الأخبار المؤتمر الصحفي الاعتيادي الموضوعات 中文 English
صفحة رئيسية > الموضوعات > منتدى التعاون الصيني العربي
الصين و"السؤال عن الشرق الأوسط"
2016-05-09 20:27

بقلم: شوي تشينغ قوه*

أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لمقر جامعة الدول العربية على هامش زيارته إلى مصر في يناير الماضي، ألقى كلمة هامة طرح في مستهلها سؤالا عن الشرق الأوسط: "إن الشرق الأوسط أرض خصبة، لكنها طالما تعاني من ويلات الحرب والصراع ولم تتخلص منها حتى اليوم، الأمر الذي يؤلمنا ويجعلنا نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟".

لم يكن طرح السؤال الصريح أمرا اعتياديا في كلمات الزعماء الصينيين في الدول الصديقة، إذ أن المعتاد والمعروف عنهم في مثل هذه الكلمات هو الاكتفاء بالتأكيد على الصداقة وذكر سبل تطويرها. فأسلوب الرئيس الصيني هذه المرة جديد إلى حد ما، ولكنه ليس غريبا على من يتابع الأحداث المتعاقبة في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وردود الفعل عليها في العالم، داخل المنطقة أو خارجها. بل يمكن القول إن هذا "السؤال عن الشرق الأوسط" هو سؤال يفرض نفسه على شعوب العالم ومنهم الشعب الصيني. ولا شك أن هذا السؤال يراود بالدرجة الأولى أذهان الشعوب العربية، باعتبارهم الضحية الأولى للمآسي التي جرت وتجري الآن في المنطقة.

كما قدم الرئيس الصيني في كلمته الحلول المقترحة لمشاكل الشرق الأوسط، حيث لخصها بعبارات موجزة: "يكمن مفتاح تسوية الخلافات في تعزيز الحوار، ومفتاح فك المعضلة في تسريع التنمية، ومفتاح اختيار الطريق في تطابقه مع الخصوصيات الوطنية." وفي رأيي أن هذه التصورات هامة للغاية، إذ أنها لا  تعبر عن وجهة نظر الرئيس الصيني الشخصي فحسب، بل تمثل أيضا النظر السائد في الأوساط الثقافية والأكاديمية الصينية لمستقبل المنطقة. وأهم من ذلك، إنها الحلول التي يمكن للصين أن تساهم في إنجاحها بشكل فريد وفعال.

يقترن دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط بميزة فريدة لها، وهي أنها تحظى بشعبية جيدة في جميع دول المنطقة مما يؤهلها للقيام بالوساطة بين المتخاصمين دون أن تثير امتعاضا من أي طرف من الأطراف المتنازعة. وترجع هذه الشعبية إلى أسباب عديدة أذكر منها على سبيل المثال: 1، لا تتدخل الصين في الشؤون الداخلية للغير ولا تتورط في الصراعات بين الدول أو الصراعات الداخلية. 2، تعامل الصين دول المنطقة بمساواة وصدق، ولا تملي إرادتها على هذه الدول بإكراه. 3، لا تفرض قيمها أو نمطها في التنمية على الآخرين، بل تكتفي بتقديم النصائح والمقترحات كما يحدث بين الصديق والصديق. 4، لا تلجأ إلى فرض الحصار أو العقوبات لحل الأزمات مثلما تفعله الدول الغربية كثيرا، بل تدعو دوما إلى الحوار والتفاوض وضبط النفس. 5، تشارك بشكل قوي وفعال في المشاريع الاقتصادية والتنموية لدول المنطقة بدون استثناء، مما يحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك للجميع. 6، تقدم مساعدات مادية وإنسانية إلى الدول الصغيرة والفقيرة بقدر الإمكان. ذلك إضافة إلى التاريخها الخالي من أي سجل استعماري أو عدواني ضد دول المنطقة. وكانت لي خبرة في العمل الدبلوماسي لبعض سنوات في أواخر تسعينات القرن الماضي، لذا كنت شاهدا لهذه الأسباب الناجحة التي حققت للصين شعبية واسعة في الشرق الأوسط. كما يمكن القول إن هذا الميراث الدبلوماسي هو ما خلفته أجيال متلاحقة من القيادة الصينية، وفي مقدمتهم الزعيم الراحل ماو تسي دونغ ورفيقه المعروف شو آن لاي. ولحسن الحظ أن هذا الميراث الثمين تم تناقله جيلا بعد جيل وظل محفوظا بشكل جيد حتى يومنا هذا. ونتيجة لذلك، نرى أن صورة الصين في الشرق الأوسط وفي العالم العربي خاصة هي صورة "الحرير الناعم"، بعكس صورة بعض الدول الكبرى التي تقترن في أذهان الناس دائما بالنار والقنابل ومسبب الفوضى والمشاكل.

هكذا، يتمثل الدور الصيني السياسي في المنطقة في الدعوة إلى الحلول السلمية لقضاياها والتوسط بين الأطراف المتنازعة، سواء كان الأمر يتعلق بالأزمة السورية أو النزاع بين السعودية وإيران أو القضية المحورية في المنطقة وهي القضية الفلسطينية. ويبدو في بعض الأحيان أن الحوار السلمي صعب المنال وبطئ التقدم، إلا أن تدعياته السلبية أقل ونتيجته أكثر ديمومة. فالسلام الذي تحقق بين مصر وإسرائيل هو خير مثال على نجاعة الحل السلمي، ولعل التوافق الدولي مؤخرا على اعتبار الحوار السلمي الحل الوحيد للأزمة السورية يمهد الطريق إلى السلام في هذا البلد الذي عانى من ويلات الحرب بما فيه الكفاية.

أما مجال التنمية، فهو المجال الذي يكون للصين باع طويل فيه، لما تمتلكه من قدرات اقتصادية وإنتاجية هائلة وثروات مالية كبيرة تراكمت في مسيرة الإصلاح والانفتاح التي انطلقت منذ عام 1978. ويعرف العرب الحضور الصيني القوي في العقود الأخيرة في عمليات الإعمار والتصنيع في جميع الدول العربية تقريباً، وتشهد على ذلك الطرق والجسور والموانئ والمستشفيات والمسارح والاستادات الرياضية وشبكات الاتصالات الحديثة المبنية بالأيدي الصينية، ناهيك عن البضائع المصنوعة في الصين التي دخلت كل منزل عربي تقريباً، وهي بضائع وإن لم تساو بعدُ الجودة الألمانية أو اليابانية، تتمتع بنوعية جيدة إجمالاً ومكّنت ملايين من العرب المحدودي الدخل من العيش عيشة عصرية. وفي هذا الصدد، تأتي المبادرة الصينية الأخيرة لبناء "الحزام والطريق" لإحياء طريق الحرير القديم بشقيه البري والبحري، كفرصة ذهبية لدفع عمليات التنمية في الدول الواقعة على خطوط "الحزام والطريق"، التي يعتبر العالم العربي حلقة هامة فيها. 

وفيما يخص اختيار الطريق، قد يجد العرب في التجربة الصينية ما يفيدهم أو يلهمهم في بحثهم عن الطريق إلى النمو والتقدم. فالتجربة الصينية التي نجحت في الارتقاء بالبلاد من إحدى أفقر دول العالم إلى ثاني أكبر اقتصاد عالميا خلال بضع وثلاثين سنة فقط، هي تجربة فريدة من نوعها لأنها ليست مفروضة على الصين من الخارج بالقوة، ولا تعني تقليدا لأي نموذج جاهز أو نقلا لأي نظرية ثابتة، بل هي نتيجة الاجتهاد الصيني المبني على أرضية الواقع الصيني، مع الاستفادة من تجارب جميع الشعوب. وقد يمكن تلخيص هذه التجربة بإيجاز شديد كما يلي: اكتشاف طريق مناسب في التنمية نابع عن الخصوصية الصينية؛ إجراء إصلاحات بشكل مستمر من أجل مواكبة تقدم العالم من ناحية وحل المشاكل المستجدة من ناحية أخرى؛ السعي لتحقيق التوازن بين الإصلاح والتنمية والاستقرار لأنها عناصر ذات علاقة جدلية ومتلازمة فيما بينها.

باختصار، إن الجواب الصيني للسؤال عن الشرق الأوسط يشبه وصفة من الطب الصيني: تتركز على السلام والتسامح، البناء والتنمية. إنها وصفة قد لا تؤدي إلى الشفاء العاجل، ولكنها تسهم في العلاج الجذري للمشاكل المستعصية في المنطقة، كما أنها قليلة التكلفة، وخالية تقريبا من المضاعفات السلبية.

تنظر الصين إلى مصر نظرة احترام وتقدير عاليين دائما، وتقدر دورها الهام في الحفاظ على الأمن والسلام في المنطقة في التاريخ كما في الحاضر. وفي ظل الصعوبات الهائلة التي تواجه العالم العربي اليوم، تبرز أهمية مصر أكثر من أي وقت آخر اقليميا وعالميا، باعتبارها دليل اتجاه الريح في الشرق الأوسط. لذا، تحمل مصر اليوم آمال شعوب المنطقة بل شعوب العالم أجمع لكي تكون ركيزة للاستقرار ونموذجا للتنمية في المنطقة. وستقف الصين بحزم إلى جانب مصر، رفيقين في الدرب الطويل للعبور إلى بر الأمان.

 

شوي تشينغ قوه: باحث في مركز دراسات منتدى التعاون الصيني العربي، ومدير مركز الشيخ زايد لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين

Suggest to a friend:   
Print